عبد الرحمن منصور هو الناشط في الفضاء الألكتروني الذي حدد تاريخ 25 يناير موعداً للثورة المصرية. وقد جاء وقت الحديث معه.
في يونيو 2010، اقترح عبد الرحمن منصور، البالغ من العمر حينئذ 23 عاماً، على وائل غنيم إنشاء صفحة على الفيسبوك وحملة لمناهضة التعذيب تكريماً لخالد سعيد، ذلك الشاب السكندري الذي قتله الشرطة. وكان الاثنان قد عملا معاً كمديرين (أدمنز) لصفحة محمد البرادعي على الفيس بوك، وكانا على استعداد لتصعيد حملتهما الألكترونية لمستويات أعلى. وشكل المزيج المتمثل في قدرة منصور على التواصل مع الشباب العرب على الإنترنت ومهارات غنيم في التسويق الألكتروني نموذجاً ناجحاً. وقد نجحت صفحة "كلنا خالد سعيد" في صناعة التاريخ؛ كونها الصفحة التي عززت الحركة الشبابية، وأطلقت شرارة الثورة في مصر من بعد تونس.
فكر عبد الرحمن منصور في تحويل يوم عيد الشرطة في 25 يناير إلى حدث على الفيسبوك باسم "ثورة شعب مصر"، ولكن غنيم الذي رأى أن الصفحة تمثل حملة سلمية لمناهضة التعذيب وليست حركة ثورية لم يستحسن الفكرة. وبشيء من الإقناع، وافق غيم على الفكرة متخوفاً. وما كان لأحد أن يتصور أن هذه الدعوة ستكون شرارة لثورة حقيقة، وستؤدي إلى إنهاء فترة حكم مبارك البالغة 30 عاماً. واجتذبت هذه الدعوة العديد من الحركات والمجموعات التي تكاتفت لتحقيق هذا. وتبقى الحقيقة أن عبد الرحمن منصور هو الناشط الذي حدد يوم 25 يناير وجعله يوماً خالداً في التاريخ.
وعلى عكس ظهور شريكه وائل غنيم في ضجة إعلامية دولية، بقيت شخصية عبد الرحمن منصور متجاهلة أو غائبة بشكل شبه كلي. وفيما صعد نجم وائل غنيم باعتباره رمزاً بطوليّاً للثورة، وحاز على جوائز وألقى خطابات وعقد صفقة لكتاب عن الثورة بالملايين، بقي منصور مجهولاً، على الأقل في الصحافة الغربية. فما الذي يفسر هذا الاحتفاء بأحد مديري الصفحة والتغافل عن الآخر؟
التفسير الأول هو أن غنيم مدعوم بمؤسسة جوجل العملاقة حيث يعمل، وكذلك طلاقته في الإنجليزية، في حين أن منصور، الذي يصغر غنيم بسبعة أعوام، أكثر ارتباطاً وراحة في الحديث بالعربية. وقد قلل غنيم من دور منصور في كتابه Revolution 2.0، على الأرجح من أجل حمايته. ولكنه ما لبث أن كتب مقالاً على الفيس بوك باللغة العربية عنوانه "مصري اسمه عبدالرحمن منصور" وأوضح حقيقة دوره الكامل في إدارة الصفحة. أما التفسير الثاني فهو أنه في 17 يناير، تم استدعاء منصور لأداء الخدمة العسكرية الإجبارية، ومن ثم كان حبيساً في ثكنات الجيش ولم يكن له أي قدرة على الدخول إلى وسائل الاتصالات. ومع ذلك فكر أصدقاؤه أنه من غير العدل أن يحظى غنيم وحده بكل الفضل في إدارة صفحة كلنا خالد سعيد. وفي يوم 21 فبراير 2011، ظهر شادي الغزالي حرب؛ ممثل حزب الجبهة الديمقراطية وعضو ائتلاف شباب الثورة، في البرنامج ذائع الصيت "العاشرة مساء" في حوار مباشر على الهواء كشف عن هوية عبد الرحمن منصور باعتباره المدير الثاني للصفحة. وشرح أن النشطاء لم يقدموا على هذه الخطوة قبل ذلك لعدم رغبتهم في المخاطرة بأمن منصور أثناء خدمته العسكرية. وقد التقطت بعض الوسائل الإعلامية مثل الجزيرة والأهرام أون لاين هذه القصة الخبرية وأصبح عبد الرحمن بطلا شعبيّاً بين شباب الفيسبوك في مصر والعالم العربي. وتم إنشاء صفحتين على الأقل على الفيسبوك تكريماً له مثل "عبد الرحمن منصور"، "كلنا عبد الرحمن منصور".
وأخيراً حظي منصور الذي بقي بعيداً عن الأضواء حتى بعد إنهائه فترة خدمته العسكرية بظهور إعلامي مناسب في 3 ديسمبر 2012، وذلك عند ظهوره في برنامج يسري فودة "آخر كلام". وفسر منصور ظهوره قائلاً إن ما جعله يتخذ قرار الحديث الآن، هو أنه بعد انتخاب أول رئيس منتخب بعد الثورة، فلا زلنا نشهد نفس الديكتاتورية والطغيان الذي عانينا منه قبل الثورة، ودعا رفاقه إلى التظاهر ضد استئثار محمد مرسي بالسلطة.
منذ أن كان في السابعة عشر، انخرط منصور في بعض مبادرات الإعلام الجديد العربية الرائدة، فهو يعيش في الفضاء الإلكتروني. "بالنسبة لي، فالإنترنت والتكنولوجيا، مثل الماء، فهي جزء من كل شيء أقوم به في حياتي". كانت وظيفته الأولى عام 2004، في موقع برنامج الداعية المشهور عمرو خالد. ثم أكمل مسيرته ليصبح واحداً من مؤسسي ويكيليكس بالعربية. وفي نفس الوقت كان مدوناً ومشاركاً نشطاً في الفعالية السنوية النسوية "كلنا ليلى". كما عمل مراسلاً إليكترونياً لمواقع الجزيرة والعربية.
يتنوع نشاط عبد الرحمن منصور بسلاسة بين العالمين الافتراضي والحقيقي، ومع ذلك يبقى نشاطه الافتراضي أكثر صدى وقوة وسعة. شارك منصور في أول مظاهرة في الشارع عام 2003 بصحبة والديه، عضوي الإخوان المسلمين، وذلك للاحتجاج على الغزو الأمريكي للعراق. وفي عام 2005، عام الانتخابات البرلمانية والرئاسية، التحق منصور بحركة كفاية، وبدأ نشاطه الأول في معارضة نظام مبارك فيما كان يخطو خطواته الأولى في جامعة المنصورة؛ حيث قام مع بعض أصدقائه بعمل مجلة سياسية ساخرة أطلقوا عليها "أولاد البلد". في ذلك الحين، كان عضواً نشطاً في الإخوان المسلمين، ولكنه انفصل عنها لخلافات في الآراء. ويشرح ذلك قائلا ً"لا يمكنني أن أحدد سبباً واحداً لتركي الجماعة، هناك أسباب عديدة؛ فقد أردتُ أن أكون جزءً من حركة أوسع، شيء ما أكبر من الجماعة، أردت أن أستمر في العمل السياسي، دون أن يكون من الضروري الانتماء لحزب واحد أو منظمة واحدة."
وكانت خبرة عبد الرحمن منصور الأولى مع حملات مناهضة التعذيب في العام 2008، عندما قضى مواطن مصري حرقاً نتيجة التعذيب في شها التابعة لمحافظة الدقهلية. ومن هنا كان اهتمامه بمتابعة قضايا التعذيب، ومحاولة القيام بفعل حيال ذلك. وفي العام نفسه، ألقي القبض عليه أثناء قيامه بأخذ بعض الصور في الانتخابات المحلية. وفي 2010، وبعد أن أصبح ناشطاً ألكترونيّاً على درجة جيدة من الخبرة في الإعلام المجتمعي، التحق منصور بفريق مديري صفحة البرادعي على الفيس بوك، وفي يونيو من العام نفسه، حدثت واقعة خالد سعيد، وما تلاها من أحداث.
في هذا اللقاء الحصري لجدلية، يتحدث عما يعني له أن يكون قائدًا شاباً في عصر الإعلام المجتمعي، وإيجابيات وسلبيات عدم الكشف عن هويته، وأفكاره، والتحديات التي تواجه بناء مصر الجديدة.
[نشرت هذه المقالة للمرة الأولى على جدلية باللغة الإنجليزية وترجمها إلى العربية محمد العربي.]
Meet AbdelRahman Mansour, Co-Admin of `We Are All Khaled Said` Page from Jadaliyya on Vimeo.
Interview by Linda Herrera and filmed by Mark Lotfy